مقالات

النظام السوري يبحث عن مخرج من ورطة درعا

أصبح من الواضح أن النظام السوري اختار التصعيد في درعا بناء على توافق مع حليفه الإيراني فقط، أما الحليف الآخر. أي الروسي، ليس راضيا عن هذا التصعيد، بل ويذهب بعض المحللين إلى تفسير الحدث على أنه محاولة لتحجيم الدور الروسي وإرسال رسالة إلى روسيا وإلى من يعول على دورها أن القضية ليست كما تتصورون.

يستطيع المراقب بسهولة أن يلاحظ أن النظام السوري بدأ يتخبط وجن جنونه منذ لقاء القمة الذي جمع الرئيسين الروسي “فلاديمير بوتين” والأمريكي “جو بايدن”. في جنيف في 16 يونيو/حزيران. فهو على ما يبدو لم يطلع على ما جرى بين الرئيسين بخصوص الشأن السوري، وأن الشكوك بدأت تراوده، وعلى إثر ذلك؛ بدأ يتفنن باختلاق الأزمات.

قد يستغرب البعض مقولة إن النظام السوري يتعامل مع الحلفاء بطريقة تشبه تعامله مع الشعب السوري، فللشعب السوري مساحة من الحرية في أن ينتقد الحكومة أو الوزراء أو بعض الفساد المنشر في البلد، ولكن بشرط أن يبرئ المسؤول الحقيقي عن هذا الفساد وهو رأس النظام. أي، الرئيس جيد لكن من حوله فاسدين. كذلك الأمر بالنسبة للحلفاء، فلهم ثمن خدماتهم مع جزيل الشكر، ولهم بعض النفوذ الذي يرضي غرورهم، ولكن، كل شيء إلا الاقتراب من مناقشة مستقبل النظام ورأسه خارج الرؤية التي يقدمها هو. أي، هو في النهاية وبطريقة مبطنة يقول لهؤلاء: لستم سوى مرتزقة تعملون لحسابي ومن أجل مصالحكم.

رغم أن هذا الكلام لن يروق للبعض إلا أنه الحقيقة، والأدلة عليه كثيرة، ويمكن ملاحظتها من خلال امتعاض الصحافة الروسية في أكثر من مرة من سلوك النظام السوري ورميه بسهام النقد الحاد، ولعل ما أطلقه الشبيح “خالد العبود” من تحذير للرئيس الروسي من غضب بشار الأسد، وتأكيده أنه لا فضل لروسيا وبوتين على سوريا ولا على الرئيس الأسد، وأن بإمكان الأسد أن يغضب من بوتين. معتَبراً أن استعمال روسيا للفيتو أكثر من 10 مرات في مجلس الأمن لم يكن دفاعاً عن سوريّا، وإنّما هو دفاع عن مصالح روسيا في سوريّا والمنطقة. خير تعبير عن عقلية النظام السوري.

يعتمد النظام في هذه المراقبة على رصيد هائل من الخسة والنذالة لا يدانيه أحد سوى حلفاءه، فهو يعتقد أن روسيا مجبرة أن تساير رغباته لأنها لا تمتلك البديل، فانقلابها عليه سوف يشكل سابقة تاريخية تسيء إلى سمعة روسيا بشكل كبير، وهو سلوك غير متوقع لغرابته. أما انسحابها من سوريا والتخلي عن النظام السوري فهو تصرف أحمق لا يمكن أن يصدر عن قيادة سياسية، إذ يعني في النهاية أن روسيا تخلت عن كل مكاسبها في سوريا بالمجان، وهو أمر مستحيل. رغم ذلك، يمكن القول إن مقاربات النظام السوري أصبحت تفتقد إلى الحكمة، فالمأزق الذي هو فيه يدفعه إلى مزيد من الحماقات والتصرفات غير محسوبة العواقب، فروسيا رغم نقاط الضعف التي تم التطرق إليها، إلا أنها تبقى دولة عظمى ولديها الكثير من البدائل للتعامل مع جموح النظام السوري، ووقوفها موقف المتفرج حيال ما يحصل في درعا أحد هذه البدائل التي بإمكانها أن تجعل النظام السوري يعود إلى رشده، ويبدو أنه قد عاد.

بالأمس تناقلت وسائل الإعلام تصريح لرامي الشاعر مستشار الإدارات الروسية للوطن العربي جاء فيه: أود أن أطمئن الجميع بأنه وعلى الرغم من الاحتكاك العسكري الذي جرى خلال اليومين الماضيين، وتسبب في وقوع بعض الضحايا من الطرفين، إلا أن الوضع الآن قد أصبح تحت السيطرة بالكامل، ولن تدور أي عمليات قتالية في درعا بعد اليوم. لن تسمح روسيا ومجموعة أستانا والمجتمع الدولي بذلك. أعتقد أن القيادة في دمشق قد أصبحت تدرك ذلك، ولم يعد لديها خيار سوى اللجوء إلى الوسطاء بغية التوصل إلى اتفاق يرضي كافة الأطراف لحل القضايا المتنازع عليها.

على أرض الواقع، يبدو أن الأزمة التي اختلقها النظام السوري في درعا آيلة إلى الانحسار، وهو الآن يبحث عن مخرج يستطيع من خلاله أن يدعي أنه حقق انتصارا في درعا، فالنظام يستطيع أن يتحمل خسارة آلاف المقاتلين، لكنه لا يستطيع بأي شكل من الأشكال أن يتحمل أن يظهر أمام جمهوره بمظهر من تمرغ أنفه بالتراب. لذلك، يبقى السؤال: كم سيتمكن الروس من الضغط على ثوار درعا لدفعهم إلى تقديم بعض التنازلات التي قد تساعد النظام السوري على حفظ ماء وجهه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى