مقالات

الثورة الأسطورية، أنهت عقدها الأول، ودخلت مرحلتها الثالثة

يقول “آدم جونز”: “يصعب أن نجد حالة قتل جماعي في التاريخ أو في الوقت الحاضر لا يكون فيها الإذلال دافعا رئيسيا”. تعيدنا هذه العبارة إلى الخلف عشر سنوات، إلى الإرهاصات الأولى للثورة حيث هتف بعض السوريين: “الشعب السوري ما بينذل”، لكن أحمق قصر الأمويين لم يصدق، وظن أن البطش والتنكيل قادر على إسكات صوت الحق ووأد حلم السوريين بالحرية، وهاهم السوريون يستقبلون العيد العاشر للثورة بعبارة: “عشر سنين ومكملين” و”بتمام العقد نجدد العهد”. وكأنهم يقولون للجزار: إن لم تمت ببنادق الثوار، أو رميا بأحذية المظلومين، ستموت غيظا.

عشر سنوات مرت عايش السوريون فيها مزيجا من الألم والأسى والعذاب، مزيجا من الفقر والتشرد والخوف، ومزيجا من الإحساس باليتم والخذلان. ورغم ذلك، فطعم الحرية، ونشوة الكرامة كانا بمثابة ترياق الحياة لهم، وكأنهم يرددون قول أحمد شوقي:

وللحرية الحمراء باب           بكل يد مضرجة يدق

هي ثورة أسطورية بكل المقاييس: أسطورية بتضحيات من حمل رايتها، وأسطورية بصبرهم وصمودهم، وأسطورية بتصميمهم على المضي قدما في طريق الحرية والكرامة مهما كان الثمن. هي ثورة أسطورية منذ اللحظة الأولى حيث تجرأ شبان عزّل على النزول إلى الشوارع والساحات يهتفون: حرية، كرامة في وجه نظام مجرم يعلمون أنه لن يتوانى عن فعل أي شيء لسحقهم وإسكاتهم، لكنها الشجاعة الأسطورية، ومن يعرف النظام السوري مؤسس جمهورية الخوف يعلم أن من تجرأ عليه لا بد أنه يمتلك شجاعة أسطورية.

اعتقد النظام السوري أنه من خلال مجازره وإرهابه للشعب خلال عقود من الزمن قد اجتث من نفوس وعقول السوريين تعطشهم للحرية، وظن أنه جعلهم عبيدا متماهين مع عبوديتهم. لذلك، جن جنونه مع أول صرخة حرية، وبدأ بالتنكيل بالثوار قنصا وسلخا وتعذيبا بأساليب يندى لها الجبين، أصبح الثوار أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما الاستسلام والانكسار، وإما حمل السلاح والدفاع عن النفس، وهكذا تحولت الثورة إلى مرحلتها الثانية: مرحلة الكفاح المسلح، وهي المرحلة التي تعرض فيها السوريون لكل أنواع القتل، ابتداء من هدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وانتهاء بقصفهم بالأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا. ورغم ذلك، تقدم الثوار وحاصروا النظام في مراكز المدن، وأصبح القسم الأكبر من مساحة سوريا بيد الثوار، وأصبح سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى، لكن الإرادة الدولية كان لها رأي آخر، وبعد أن تدخلت روسيا لإنقاذ النظام بدأت المساحة التي يسيطر عليها الثوار تنحسر رويدا رويدا إلى أن تقلصت إلى جيب صغير في الشمال السوري وظن النظام أنه انتصر. لكن الثوار كان لهم رأي آخر.

منذ أن أُوقف النظام وداعميه بعد هجومهم الأخير على إدلب، يبدو أن خطوطا حمراء قد رسمت، وأصبحت مناطق النفوذ ثابتة إلى حد بعيد، ويبدو أن الحرب وضعت أوزارها عند هذا الحد، ولكن، يمكن القول وبكل ثقة: إن الثورة انتقلت إلى مرحلتها الثالثة، وهي المرحلة الحقوقية والقانونية. فمع ازدياد الوعي والمعرفة لدى السوريين بعد انعتاقهم من قيود سلطة الاستبداد التي كانت تصادر كل شيء، حتى الوعي والمعرفة، أصبحوا اليوم يشكلون ما يشبه لوبيات الضغط، ويقومون بأنشطة في عواصم صنع القرار الدولية لها من الجدوى والفاعلية ما قد يفوق عمل البندقية، فبعد قانون قيصر ها هي المحاكم الأوربية تباعا تتحضر لمحاكمة مجرمي الحرب، وها هي قضية استخدام الأسلحة الكيميائية تعود إلى الواجهة بقوة، ومازالت الجهود مستمرة لاستصدار قانون قيصر بنسخة أوربية، وربما مفاجآت أخرى لن تكون إلا بمثابة حبل مشنقة يقترب من رقاب القتلة والمجرمين المختبئين في جحورهم بصحبة الكوابيس.

الأنشطة السلمية والمدنية، الحقوقية والقانونية لم تعد قضية يؤمن بها البعض ويرفضها آخرون، لقد أصبحت مرحلة جديدة من مراحل الثورة، وبها ستنتصر، لذلك، فلينخرط بها الجميع نشاطا أو مؤازرة ودعم. وليعلم الجميع ما علمه أحمد شوقي عندما قال:

علمت أن وراء الضعف مقدرة       وأن للحق لا للقوة الغلبا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى