مقالات

الاتفاق العسكري بين النظامين السوري والإيراني, لعب في الوقت الضائع

يا إلهي كم هما قويان: النظام السوري والنظام الإيراني! هذه العبارة بالتحديد ما تسعى الآلة الدعائية لكلا النظامين في سوريا وإيران، أن توصلها إلى الجماهير. كنا قد توقعنا في مقال سابق أن يقوم النظام السوري بإعادة التوازن إلى سعر الليرة مع بداية سريان مفعول قانون قيصر، وأن هذا التوازن سوف يكون مرحليا ومؤقتا لأهداف دعائية، فأسباب التدهور ما زالت قائمة وهي بازدياد. كما توقعنا أن يحاول بمعية حليفه الروسي محاصرة المناطق المحررة عن طريق عرقلة التمديد لآلية إدخال المساعدات مع ترجيح صعوبة الوصول إلى هذه النتيجة، كما توقعنا أن تكون لدى النظام وحلفائه بعض الإجراءات الأخرى – دون معرفتها – التي تهدف إلى إيصال رسائل للجمهور مفادها أن قانون قيصر لن يؤثر فيهم. وبعض الإجراءات الأخرى بدأت تظهر للعيان، وأهم تلك الإجراءات: الإعلان عن توقيع اتفاقية للتعاون العسكري والأمني بين النظامين السوري والإيراني، والتي تشمل في أحد بنودها، تطوير الدفاعات الجوية للجيش السوري. و”تطوير الدفاعات الجوية للجيش السوري” جملة تستحق التوقف عندها، فهي عبارة توحي بأن الطرف الآخر دولة عظمى، أو إحدى الدول المتقدمة على صعيد التصنيع العسكري والتكنولوجي. فهل إيران هي بالفعل كذلك؟ يقول أحد السوريين ممن لا يتأثرون بالبروباغندا الإعلامية ويعرفون حقيقة الأمور: أخشى أن تقوم إيران بتنفيذ هجوم صاروخي بألفي صاروخ على إسرائيل؛ لأن تلك الصواريخ ستسقط على الشكل التالي: 700 في سوريا، 700 في الأردن، 300 في لبنان، 297 في العراق، 3 في فلسطين؛ اثنان منها في الضفة الغربية وواحد في قطاع غزة. في واقع الأمر هذه حقيقة القوة الإيرانية وإمكاناتها على التطوير. لقد زجت إيران ميليشياتها بكامل طاقاتها ووضعت ثقلها المتهافت إلى جانب النظام السوري، لكنهما هزما معا أمام الجيش الحر، ذلك الجيش المتواضع التسليح والتنظيم والتدريب، وهو ما اضطرهما للاستعانة بروسيا لتفادي الهزيمة المحتمة.

رغم ذلك، فالنظامان قويان بالفعل، قويان جدا على شعبيهما بحيث يمتلكان المقدرة على إيصال الشعب السوري والشعب الإيراني إلى أكل التراب، دون الخوف من ثورة جياع، كما أنهما قويان بصناعة الغباء لدى شعبيهما لدرجة تجعل الشعب يتقبل بعض الدعايات والأكاذيب مهما كان مستوى تهافتها وتفاهتها، فعلى سبيل المثال: روج النظام السوري مع بداية الثورة دعاية مفادها؛ أن إيران أصبحت القطب الثاني في العالم. أي ورثت مكانة الاتحاد السوفييتي بعد تفككه، وهذه الدعاية رغم تهافتها المفرط لاقت قبولا عند شريحة من الشارع السوري، وأخيرا، هما قويان ويمتلكان المقدرة على إحداث الشغب.

 إذن، تلك هي نقاط القوة لدى النظامين السوري والإيراني. أما قضايا التسليح والتطوير والتعاون فهي بالأصل كانت قد وصلت ذروتها، لكن طرحها بهذا الشكل لا شك أنه متعمد، ويقصد منه إيصال بعض الرسائل لبعض الأطراف، فبالإضافة إلى محاولة الظهور بمظهر القوي غير المكترث بالعقوبات، ربما تحمل الاتفاقية رسالة للحليف الروسي يقصد منها أنه لا يمكنكم التفاوض مع الآخرين بالشأن السوري بعيدا عن رؤيتنا. ولعل الرسالة الأهم موجهة للولايات المتحدة التي تكثف ضغوطاتها على إيران وتدعوها للتفاوض من موقف ضعف، لتقول لها أمرين، أولهما: ما زلت أتحكم بأذرعي الإقليمية وما زالت لدي نقاط قوة ولن أفاوض من موقف ضعف. والأمر الثاني: إذا أردتم التفاوض فالقضيتان السورية والإيرانية يجب أن تكونا في سلة واحدة، ولن نقبل بفصل المسارين.

 وأخيرا، يمكن القول: بعد تعرض النفوذ الإيراني في العراق للتراجع والانحسار بعد الإجراءات والتوجهات الجديدة للحكومة العراقية الجديدة، وبعد أن دخل قانون قيصر القاسي جدا حيز التنفيذ؛ يبدو أن الاتفاق العسكري الذي أعلن عنه بين النظامين السوري والإيراني، والرسائل التي أراد النظامان إيصالها إلى باقي الأطراف، سواء كانت كما ورد في هذا المقال، أو غير ذلك، فهي ليست أكثر من لعب في الوقت الضائع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى