مقالات

في الحاجة لثورة جديدة بحلة قديمة

في آذار 2011 صدحت حناجر السوريين بهتاف الحرية الغالي فهو غالي لأن ثمنه في حينها قد يتخطى الموت نفسه ليصار لاعتقال يتمنى الانسان فيه الموت كل يوم آلف المرات، واستطاع الشعب السوري طرح منظومة قيمية تجلت بشعارات الحرية والكرامة مترافقة بنشاط سلمي حضاري تمثل في المظاهرات والكتابات الجدارية والاضرابات وغيرها من أنشطة بهدف إسقاط النظام وإعادة انتاج دولة القانون والمواطنة وإلغاء نظام الحكم الواحد واعتماد التعددية بهدف بناء نظام ديموقراطي وقد عم هذا النشاط كامل سورية وشاركت في هذا النشاط جميع المكونات السورية باختلاف انتماءاتها القومية والدينية ومن مختلف شرائح المجتمع العمرية رغم أن الشباب هم الذين كانوا عماد الثورة، فالفئة ما بين 16 الى 30 سنة هي الفئة التي نظمت وقادت هذا الحراك، ولكن النظام ونتيجة اعتماده الحل العسكري لمواجهة حناجر الثوار أدخل سورية في دوامة عنفية أفرزت القصف والقتل والنزوح والهجرة خارج سورية، وأفرزت وجود قوى متشددة كتنظيم داعش وبروز ظاهرة أمراء الحرب وتجار الأزمات وغيرها من مظاهر صبغت مرحلة ما بعد اندلاع الثورة، وإذا كانت هذه المظاهر أثرت بشكل نسبي على الفئات الشبابية التي أطلقت هذا الحراك إلا أن تأثير هذه المظاهر على الأجيال اللاحقة كان بالغ المدى، فالشاب العشريني اليوم كان حين انطلقت الثورة عمره 10 سنين، فالسؤال هل يمكن لنسبة غالبة من شباب اليوم معرفة من هو حمزة الخطيب أو غياث مطر أو إبراهيم  قاشوش وغيرهم العشرات، أو محمود جوابرة أو شهيد في الثورة السورية قد يكون البعض من الشباب اليوم قرأ أو شاهد مقاطع فيديو تعطيه لمحة عن تلك المرحلة ولكن النسبة الغالبة من الشباب اليوم هي عاصرت الثورة بأكثر فتراتها قسوة وعنفا، مما رسخ لدى بعضهم انطباعات وتوجهات محكومة بفترة الصراع المسلح، وما رافق ذلك من تكاليف بشرية ومادية وغيرها، ولعل الشباب السوري خارج سورية ونتيجة بعدهم عن الحدث السورية قد يكونوا متأثرين أكثر، وتظهر استطلاعات الرأي الجزئية أن عامل العمر يلعب دورا محوريا في تحديد مواقف السوريين من الثورة، ففئة الشباب ترى بأن تقيمها الثورة تقييم مشوش ومشوه في بعض حالاته،  فقد يعتقد بعض الشباب بأن الثورة هي من سببت خسارته لأفراد من عائلته أو فقدانه منزله أو تعليمه وعليه، إذن، نحن أمام فئة عمرية سيكون لها دورها الحاسم في الفترة القادمة ومنظورها للثورة ليس بالضرورة منظور إيجابي، ولعل النظام أكثر من يدرك ذلك وهو يعمل دائما على الترويج لفكرة “كنا عايشين”: وهو يعلم أن الناس لن تمحص بماهية معنى عايشين وتقارنه بباقي المجتمعات ليظهر زيف  هذه المقولة وكما يعبر السوريين ” كنا عايشين من قلة الموت” وبعد سكون الجبهات وصمت المدافع، وفي الذكرى العاشرة للثورة فالحاجة اليوم لا ترتبط بإحياء ذكرى الثورة بل بإحياء الثورة بإحياء وجهها الأجمل وجه قيم الحرية والكرامة التي ابتدأت الثورة به ، والدعوة لبناء الدولة الجديدة  ، فالثورة يجب أن تقدم للشاب الذي فقد أهله وفقد فرصة تعليمه وتهجر من أرضه وفقد ماله بارقة أمل يربط مستقبله بها، فالسوريون لم يكونوا عايشين ولن يكونوا عايشين إذا ما بقي النظام السوري، ويمكن أن يصبحوا عايشين ويمكن لهم أن يحلموا فعلا بوطن يديره نظام يختارونه، لا بوطن نظامه  يستعبدهم وهذا لن يتحقق إلا بانتصار الثورة وقيمها، ولو شوهت الفترة الماضية هذه الحقيقة فالإنسان بطبيعته ميالا لأن يكون حرا وكريما، كما أن السوريين كما كل شعوب العالم تواقون لدولة ديموقراطية يكون لهم رأيهم فيها وتنهض بهم اقتصاديا، لا بدولة ديكتاتورية ينهب حكامها خيرات شعوبها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى