مقالات

بين الآيفون…. وربطة الخبز…. ثورة تختمر

يطالع المرء على صفحات التواصل الاجتماعي مظاهر متناقضة لأسلوب الحياة في مناطق سيطرة النظام، فعلى الضفة الأولى يصطف المواطنين ضمن طوابير لا نهاية لها للحصول على المستلزمات الأساسية لحياتهم مثل الخبز أو الغاز أو المازوت، وعلى الضفة الأخرى يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي عقارات للبيع بمبالغ خيالية،  ففي منشور متداول على الفيس بوك عرض قصر للبيع في دمشق وتجسد صور هذا القصر حالة من الترف والبذخ الكبير وما يلفت النظر هو سعره الخيالي والبالغ أربعة مليار ليرة سورية، وهو مبلغ يساوي راتب وزير لمدة 385 سنة ، وأطلقت شركة “Emma Tel LLC إيماتيل”، وهي شركة اتصالات سورية مقرها دمشق، أحدث إصدارات هواتف شركة “Apple”  الأميركية، وقالت الشركة ، إنها “أول شركة سورية توفر الهاتف رسمياً وحصرياً في الشرق الأوسط، وذلك قبل بدء بيعه في المنطقة العربية، وبعد الإعلان عنه بعشرة أيام فقط من شركة آبل”. وسعر بعض هذه الأجهزة تجاوز خمسة ملايين ليرة وهو راتب وزير لمدة أربع سنوات، ومتوسط أسعار السيارات السياحية العادية وليس الفارهة حوالي عشرين مليون. أي، راتب الوزير أيضا لمدة عشرين سنة؛ ليكون السؤال: من سيقوم بشراء هذه الأشياء في دولة تعاني من ويلات صراع طويل، ولكن المفاجئة تكون عندما يكون هناك صفوف لشراء هكذا موبايل أو لشراء سيارات من طراز السنة، في وقت تقبع الغالبية من المواطنين في كابوس تأمين قوتهم. في أحد الفيديوهات لأحد اليوتوبير المعروف في مناطق النظام، قام بإجراء مقارنة ما بين حالة غالب المواطنين وحالة الطبقة الاقتصادية الأخرى، وهم الأغنياء ممن استفادوا من واقع الصراع، وهم يمكن أن يكونوا إما رجل أعمال مقرب من النظام، أو ضابط قام بالنهب والسرقة، أوموظف فاسد، وهلم جرا. حيث يظهر أن هناك تباين فاحش في طريقة المعيشة والظروف العامة لكل من هاتين الطبقتين، والمدهش بالأمر، أن هاتين الطبقتين تتزاحمان نفس الحيز المكاني، فالمطاعم الراقية والمحلات الفخمة قد تكون قريبة جدا من أحد أفران الخبز التي يصطف عليها الأفراد في طوابير لساعات، ولك أن تفكر بما قد يجول بخاطر من يقف على دور الخبز ويرى الضفة الأخرى ممن يرتادون تلك المناطق الفارهة.  يقول أرسطو” إن توزيع الثروة العادل في المجتمع من الأمور الأساسية لضمان الاستقرار السياسي، فالتفاوت الاجتماعي والغنى الفاحش أو الفقر الشديد سيؤدي إلى عدم الاستقرار، وبالتالي الثورات”.

وتقوم القنوات الإعلامية في مناطق سيطرة النظام بتغطية هذا الواقع بهدف إظهار أن سبب هذه الأزمات الاقتصادية هو الفساد والاحتكار، وأن أجهزة السلطة تسعى لتنظيم الأمور وتحسين الظروف، ولكن المدقق في تعليقات الناس يرى أنهم لا يقاربون أصل المشكلة، وهو وجود النظام نفسه وما سببه من أزمات ودمار لسورية، ولكن في نفس الوقت هناك عبارة تتردد وبشكل يشبه الإجماع ولو تغيرت طريقة الاحياء بها والاستدلال عليها وهي ” وصلنا لمرحلة اليأس ” فتسمع عبارات على شاكلة: ” هي مو عيشة “، “يوجدولنا أي حل “، ” إلى متى بدو يضل الوضع هيك “، وغيرها من عبارات تشير إلى حالة الحنق الشديد، وهو ما يدعو لطرح السؤال التالي: هل سيؤدي هذا الواقع إلى تغيرات قادمة بشكل انفجارات شعبية؟

من الطبيعي ألا يعتمد أي انفجار شعبي على عامل واحد فقط، فصيرورة الاحداث السورية خلال عشر سنوات لابد وأن تفرض نفسها وخاصة عامل الخوف الذي زرعه النظام في قلب السوريين بعد اجرامه المطلق الحدود بوجه كل من قام بمعارضته، وهو ما قد يقلل من فرص انفجار شعبي قادم، ولكن هذا لا يلغي احتماليته، فالعديد من الديكتاتورين دفعوا في النهاية فاتورة بزخهم مثل شاه إيران. وفي سورية قد يتكرر الأمر، ولكن، وإن لم يتكرر ذلك فإن هذه الفوارق الاجتماعية، والواقع الاقتصادي ستلعب دورا في زيادة اليأس، وخاصة لدى فئة الشباب، مما سيدفعهم للبحث عن مستقبلهم خارج سورية. وعليه، ستستمر أزمة اللجوء بالتضاعف ومهما حاول النظام الترويج بأنه يسعى لإعادة اللاجئين سيكون الواقع مخالفا لذلك، وسيتحول النظام إلى مشكلة مزدوجة في هذا السياق، فهو سيكون سببا في منع عودة اللاجئين خارج سورية، كما سيتحول إلى سبب في خروج لاجئين جدد من مناطق سيطرته، وعلى المنقلب الأخر، فمن سيبقى، وهو يائس، سيصبح لا مبالي وسلبي، وبالعكس كل محاولات النظام الهادفة الى تغيير واقعه الاقتصادي والاجتماعي ستصطدم ببنية اجتماعية معطلة لكل خططه، فاليائس المحبط يصبح فاقدا للثقة في كل شيء، وبالتالي، سيجد النظام نفسه في دوامة غير منتهية من الأزمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى