مقالات

بيدرسون على خطى ديمستورا “خطوة إثر خطوة”

 المبعوث الأممي لسوريا “غير بيدرسون” وبعد إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي المؤرخة في ٢٦ كانون الثاني لعام ٢٠٢٢ أعلن أنه حصل على “دعم صلب” من مجلس الأمن لمقاربته “خطوة مقابل خطوة” وقال في تصريح نشرته صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ ٢٩ منه أنه: ” لا خلافات استراتيجية بين أمريكا وروسيا” حول سوريا وأن ممثليهما أبلغوه بأنهم مستعدون للانخراط في تلك المقاربة بعد انتهاء مرحلة العمليات العسكرية خاصة أن أمريكا تخلت عن سياسة ” تغيير النظام” وتسعى إلى ” تغيير سلوكه”، وأشار إلى أن هناك دعم لمبادرته أيضا من اللاعبين الرئيسيين الآخرين العرب والاوربيين. وعناصر تلك المبادرة وفق بيدرسون تقوم على، “البدء بتحديد خطوات تدريجية ومتبادلة وواقعية ومحددة بدقة وقابلة للتحقق تطبق بالتوازي”، وتلك الخطوات قد تشمل:

  • المعتقلين والمختطفين والمفقودين.
  • المساعدات الانسانية والتعافي المبكر.
  • شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين.
  • تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
  • ترسيخ الهدوء في عموم سوريا وتحقيق الاستقرار.
  • التعاون في مكافحة الإرهاب.
  • القضايا الديبلوماسية.

وقال: تلك “سلة” من الأمور في حال تحركنا فيها سينعكس ذلك على حياة السوريين والأمل أن نقيم بعض الثقة للعمل على تنفيذ القرار ٢٢٥٤”، واللافت هنا أن بيدرسون يضع كل تلك الخطوات في سياق إجراءات بناء الثقة! أو ما يمكننا أن نطلق عليه: “سلة بيدرسون لبناء الثقة”.

تذكرنا سلة “بيدرسون” هذه بسلال “ديمستورا” الأربع؛ مع فارق أن بيدرسون يبدو أكثر وضوحا من سلفه لجهة الجمع بين البعدين المحلي والدولي للعملية مع إبراز أولوية البعد الإقليمي _الدولي على بعد هيئة تفاوض _ نظام، فهو أخذ موافقة ودعم الأطراف الدولية وقال بأنه سيشرح تفاصيل المقاربة الجديدة للطرفين.

وفي سلة بيدرسون نلحظ بوضوح استمرار نهج سلفه المؤدي من حيث النتيجة إلى إفراغ القرار ٢٢٥٤ من مضمونه المعطوف على بيان جينيف ١ لعام ٢٠١٢ من خلال القفز _ مع سبق الإصرار والترصد_ ليس على هيئة الحكم الانتقالي وحسب، بل على المرحلة الانتقالية برمتها. فإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين هي من البنود فوق التفاوضية بموجب القرار المذكور، وهي أول وأهم إجراءات بناء الثقة، ويعمد بيدرسون إلى إدراجها كبنود تفاوضية ضمن سلته الجديدة. أما تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتعافي المبكر والمساعدات الإنسانية فطرفاها المجتمع الدولي والنظام ولا علاقة للمعارضة بها، وأما ترسيخ الهدوء والاستقرار فهي ما يتولاه ضامنو الأستانة المتحكمون بالشأن العسكري.

كذلك التعاون في مكافحة الإرهاب هو النافذة التي يرغبها النظام لإعادة تأهيله وإعادة شرعيته من قبل المجتمع الدولي، وستكون إعادة التأهيل هي المكافأة المجانية التي يسعى بيدرسن ومن خلفه روسيا لتقديمها للنظام بدون أي مقابل منه، وهو ما سماه بيدرسون ب”القضايا الديبلوماسية”،  إذ لا يمكن لأحد أن يتصور أن نظام الأسد الذي لم يقدم أي من تلك التنازلات ( الخطوات) وهو في قمة ضعفه سيقدمها وقد اجتاحته نشوة “الانتصار”  والشعور بأن المجتمع الدولي بحاجته لمحاربة الإرهاب والحد من تجارة الكبتاغون. وأما توفير شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين فهي بلا شك من استحقاقات المرحلة الانتقالية التي يريد بيدرسون من بعد ديمستورا طمسها وحذفها من التداول السياسي شأنها في ذلك شأن سلطة الحكم الانتقالي، وهل من المعقول والمنطقي أن يطلب توفير ظروف العودة الآمنة والطوعية للاجئين من قبل من قام بقتلهم وتهجيرهم قسرا وتدمير مدنهم ومصادرة ممتلكاتهم وتوطين الميليشيات الطائفية مكانهم تحت سمع بيدرسون والعالم وبصره؟!

يتجاهل السيد بيدرسون ومن وراءه أن ما حل بالشعب السوري من مآس لم تكن بفعل كوارث طبيعية ولا زلازل وبراكين، وإنما بفعل عصابة إجرامية استولت على الدولة السورية فرهنتها للأجنبي وقتلت وهجرت شعبها وباعت ممتلكاتها.

ليست سلة بيدرسون الجديدة سوى استمرار لسياسة تمييع القرار ٢٢٥٤ وتشويه مضامينه التي انتهجها استاذه ديمستورا والمزيد من الإغراق بالتفاصيل لتبرير عجز المجتمع الدولي عن وضع حد لعصابة إجرامية مارقة ارتكبت أشنع جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية بحق الشعب السوري، بل التواطؤ معها ومكافأتها على إجرامها الذي وثقته كل المنظمات الحقوقية والأممية وصولا إلى الإدانة القضائية الرسمية أمام القضاء الأوربي.

هل تلك هي مهمة بيدرسون لتطبيق القرار ٢٢٥٤؟ أليس من الأولى بالمبعوث الدولي أن يوجه كل تلك الجهود لتشكيل سلطة حاكمة انتقالية مؤقته تهيئ البيئة الآمنة والمحايدة لعودة المهجرين وإقامة العدالة الانتقالية وتمكين الشعب السوري من كتابة دستوره وإجراء انتخاباته الحرة والنزيهة؟ لماذا كل هذا اللف والدوران يا سيد بيدرسون؟

لعل الخطوة الأولى التي ينبغي على المعارضة التمسك بها قبل أي خطوة أخرى هي تشكيل السلطة الحاكمة الانتقالية كاملة الصلاحيات، وأما ملف المعتقلين فالقبول بجعله ملفا تفاوضيا في جينيف أو أستانة هو تفريط غير مبرر بأي حال. وليس على المعارضة ممثلة بالائتلاف وهيئة التفاوض سوى قلب الطاولة على تلك اللعبة الخبيثة وإيقاف كل المسارات العبثية التي افرزتها سلال المبعوثين وإبطال ذلك الإفك المبين الذي تأفكه أفاعي روسيا وسحرتها وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. ولعل عصا الشعب السوري وثورته تلقف ما يأفكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى