مقالات

ثورة الفقر هي الأساس وليس ثورة الحرية والكرامة

الثورة السورية ثورة حرية وكرامة: هي عبارة ترددها الكثير من الفئات المجتمعية الثائرة  كحالة تمايزية تصل إلى نوع من النرجسية في المقارنة مع الأخر ، حتى  الحراك الشعبي في السويداء  لم يسلم من إدخاله في بوتقة المقارنة مع حراك 2011، على اعتبار أن الحراك الحالي لا يرقى قيميا لحراك عام 2011؛ متغافلين طبيعة الشعارات التي رددها الحراك في السويداء، والتي تتطابق مع ماهية شعارات الثورة، ومتغافلين عن أن جزءا مهما ممن نظم هذا الحراك في السويداء  هم أنفسهم من كان لهم دور في حراك 2011 ، ولعل البعد الأخطر لهذه المقاربة هو تسخيف  أي حراك ثوري وربطه بالجوع والفقر ضمن معادلة “” من لم يتحرك لحريته وسكت عما قام به النظام خلال الفترة الماضية فلن يتحرك لأجل الجوع والفقر”” وهذه مقاربة تنم عن جهل بالدوافع الرئيسية للثورات عبر العصور، فمنذ زمن الإغريق أرجع أرسطو السبب الرئيسي للثورات،  للتفاوت الطبقي ووجود فواق كبيرة بين الأغنياء والفقراء وغياب الطبقة  الوسطى، حتى القارئ لتاريخ الثورة الفرنسية “التي يصنفها الكثير باعتبارها أعظم الثورات البشرية” يدرك بشكل يقيني أن المسبب الرئيسي للثورة كان اقتصاديا؛ متمثلا بحالة الفقر، أما ما طرحته الثورة الفرنسية من قيم سياسية فقد كان نتيجة التطور الفكري  الأوروبي الهادف لبناء نموذج سياسي جديد وهو ما فشلت فيه الثورة الفرنسية في حينها حيث انتهت حقبة الثورة الفرنسية باستلام نابليون بونابرت السلطة وبنائه لنظام حكم ديكتاتوري بشكل أقسى وأعنف مما كان قبل الثورة، ولم يتم تطبيق ما نادت به الثورة الفرنسية من قيم إلا بعد أكثر من مئة عام. وفي الحالة السورية؛ صحيح أن العامل السياسي متمثلا بتجذر النظام الديكتاتوري، وتغييب الحريات عن الأفراد يعتبر واحد من أهم عوامل اندلاع الثورة السورية عام 2011، ولكن ذلك لا يلغي الدور المحوري للعامل الاقتصادي في دفع الثورة وانتشارها في المجتمعات الريفية، والمجتمعات المهمشة عموما، فالفقر كان ومازال الدافع الأساسي للثورات، وكي لا ننسى؛ فالربيع العربي بمجمله؛ أطلق شراراته رجل فقير أهينت كرامته هو: محمد البوعزيزي .

وعليه، فحالة التمايز التي اتسمت بها الثورة السورية لجهة وضوح المطالب السياسية فيها من حرية وكرامة لا يلغي أهمية عامل الفقر في إطلاق موجات ثورية جديدة ، لان الفقر بالنهاية هو امتهان وانتقاص لكرامة المواطن ، وبدل انشغال الفئات الثورية في نقاش التمايز بين الحركات الثورية، لابد من التركيز على أن عامل الفقر لن يشمل مناطق النظام فقط بل سيشمل كامل الأراضي السورية بما فيها المناطق المحررة، رغم أن تداعياتها في المناطق المحررة قد تكون – نسبيا – أقل وطأة هن تداعياتها في مناطق النظام، فقانون قيصر وضع لتطويع النظام للوصول إلى حل سياسي حقيقي. وعليه، فتطبيق القانون سيكون له تداعيات مقبلة على المواطن في سورية، ولكنه سيكون عاملا أساسيا في إنهاء معاناة الشعب السوري على المدى الطويل.

وبما يتعلق بالمناطق المحررة، فهي تبقى مؤهلة كما هي مناطق سيطرة النظام لاندلاع موجات شعبية احتجاجية على الوضع المعيشي نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي للعائلات، ويجب إدراك أن الظروف في المناطق المحررة أكثر ملائمة لمثل هكذا تحركات؛ بسبب مساحة الحرية الموجودة، وعليه، لا بد للجهات العامة في المناطق المحررة من الإسراع في وضع آليات للتعامل مع الوضع الاقتصادي القادم، والمتوقع أن يكون سيئا، من خلال جملة خطوات تخفف من معاناة المواطن في هذه المنطقة والاستفادة من بعض العوامل المساعدة ومنها: الدور التركي الفاعل في المنطقة، وخاصة أن تركيا هي دولة ذات اقتصاد قوي، وهي مسؤولة عن هذه المناطق باعتبارها الضامن عن المعارضة، وفي هذا الصدد لا بد من التركيز على ما يلي :

  1. توفير مادة الخبز بسعر مقبول جدا للعائلات، وهي خطوة تحتاج إلى تنسيق قوي مع تركيا والأمم المتحدة.
  2. استمرار تقديم الخدمات الصحية المجانية الحالية، وهو أمر يحتاج إلى تنسيق وجهد كبيرين من منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا القطاع.
  • دعم القطاع الزراعي باعتباره أكثر القطاعات التي يتوقع تأثرها بشكل كبير بسبب الخسائر الفادحة في هذا القطاع نتيجة انخفاض سعر بيع المنتجات الزراعية مقارنة بتكلفة إنتاجها. وعليه، لا بد من التفاهم مع الحكومة التركية لاستقبال المنتجات الزراعية المحلية في الأسواق التركية في حال كانت هذه المنتجات فائضة عن حاجة السوق.
  • ضمان متابعة العائلات الأكثر ضعفا في المجتمع والعمل على تحقيق أعلى مستوى من العدالة الممكنة في توزيع المواد الإغاثية.

وفي حال تركت الأمور تتطور دون جهد واضح للتعامل مع تداعيات قانون قيصر المستقبلية؛ فالانفجار الشعبي لن يشمل مناطق النظام فقط، بل سيشمل جميع المناطق السورية. ووقتها؛ إذا كانت مظاهرات الداخل عامل ضغط على النظام، ستكون مظاهرات المناطق المحررة عامل ضغط على قانون قيصر مما قد يسعى النظام لاستغلاله للتهرب من القانون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى