مقالات

رسالة أمريكا وروسيا, الائتلاف.. قائد سوريا القادم

يقول الشاعر:

” لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم   ….. ولا سَراةَ   إِذا   جُهّالُهُم   سادوا”

إذا ما أمعنا النظر في الشطر الأول من بيت الشعر هذا نجده متطابقا مع الطبيعية البشرية لضرورة وجود من يتحمل مسؤولية إدارة أمور الناس، وكلما زادت التحديات أمام المجموعة البشرية زادت الحاجة إلى وجود قيادة تكون مسؤولة عن تحقيق ما فيه مصلحة الناس، والثورات في النهاية: هي واحدة من هذه الظواهر الاجتماعية التي قد تنطلق عفويا وعشوائيا، ولكن وصولها إلى مبتغاها يحتاج إلى نوع من تجسيد مطالبها ببنى تنظيمية. إما تقليدية كالأحزاب السياسية والنقابات السابقة لاندلاع الثورة، أو من خلال تشكيل بنى جديدة تعبر عن الحركة الجديدة، ولا تخرج الثورة السورية عن هذه القاعدة العامة ولكن الناظر إلى تجربة التمثيل المؤسساتي يقف مذهولا من مستوى العقم الذي وصلت إليه تجربة التمثيل السياسي للثورة. وخاصة، تجربة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وأن الباحث في تجارب القيادة السياسية في زمن التحولات والثورات والحروب والانقلابات، يجد نفسه أمام شروط أساسية تتسم بها أي قيادة سياسية في هذه الظروف وهي:

أولا: الدور الفعال، سواء باستخدام وسائل العنف مثل قيادة العمل المسلح بشكل مباشر، أو بقيادة العمل السياسي غير المسلح مثل المظاهرات والاعتصامات.

ثانيا: وجود الشخصيات الكاريزمية، فمثلا شكل أبو عمار: ياسر عرفات حالة كاريزمية للنضال الفلسطيني وجسد “نيلسون مانديلا” قضية الصراع ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

ثالثا: وجود تبني من دول فاعلة لها دورها على الساحة السياسية.

رابعا: تحقيق بعض النتائج السياسية تكون حصيلة تفاعل العوامل الثلاثة السابقة. فحتى لو توفرت العوامل الثلاثة السابقة ولم تستطع القيادة السياسية لحركات التغيير الوصول إلى نتائج من أعمالها يكون احتمال استمرارها ضعيفا.

وإذا ما انتقلنا إلى تجربة الائتلاف الوطني نجد أن الائتلاف عجز في تحقيق أول شرط، فلا هو استطاع قيادة الكفاح المسلح ضد النظام، ولا استطاع أن يقود العمل الغير عنفي، وكأن لسان حاله يقول: ” سواء عملت أو لم أعمل؛ الائتلاف هو قائد سورية القادم بعد إسقاط النظام”، وبالتالي، عمل الائتلاف في كل مرة على إيجاد سبل إبقاء دوره من خلال ضم هياكل سياسية جديدة، ونتيجة فقدانه الثقل السياسي الحقيقي اضطر لإدخال هياكل سياسية تتعارض مع مبادئه نفسها، مثل، منصة موسكو. أما الشرط الثاني، فأيضا لم يوجد إلا ببعض الفترات الزمنية مثل، فترة رئاسة معاذ الخطيب، أو حتى بفترة تولي رياض الحجاب لهيئة التفاوض العليا. ولكن، بباقي الفترات عانت هياكل المعارضة من غياب شخصيات كاريزمية واضحة، وخلال أحد الاختبارات في المناطق المحررة سُئِلَ حوالي 50 شابا عن اسم رئيس الائتلاف الحالي؛ فأجاب أكثر من 80% منهم إجابة خاطئة، وهو مؤشر على ضعف الدور. وأما الشرط الثالث، فقد حاز الائتلاف الوطني مستوى من الشرعية الدولية لا يستهان به، وصلت لمنح الائتلاف مقعد سورية في الجامعة العربية ولكن بمرور الوقت بدأت هذه الشرعية بالتناقص. وأما على مستوى الشرط الرابع، وهو الأهم، فعلى عجالة يمكن القول: إن الائتلاف عاد “بخفي حنين” وغالب نشاطه السياسي كان محدود النتائج بشكل كبير جدا، بل بالعكس كانت نتائجه سلبية، فقد جذر الائتلاف فكرة انفصال الائتلاف عن الداخل، أو عن الجاليات السورية في دول اللجوء، وتحول الى هيئة شرفية مغلقة على ذاتها وأعضائها دون أي دور سياسي حقيقي فاعل. ولعل لقاء الروس السابق مع معاذ الخطيب، ثم لقاء الأمريكيين مع رياض حجاب يعتبر رسالة واضحة من الدولتين صاحبتي التأثير الأكبر على الملف السوري لجهة درجة الضعف.

 الذي وصل إليها الائتلاف. وأمام هذا الحال لابد لأعضاء الائتلاف أن يراجعوا أنفسهم، وأن يراجعوا قناعاتهم السابقة بأن الائتلاف هو قائد سورية المستقبلي، وعليهم أن يدركوا أن الهيكل المؤسساتي الذي حظي بشرعية دولية لا يستهان بها؛ يجب المحافظة عليه، فعملية بناء البديل مخاطرة ليست بسيطة. وعليه، أسلم الطرق؛ هي إعادة هيكلية الائتلاف، ونقل ثقله الحقيقي باتجاه المكونات التمثيلية الداخلية، وممثلي الجاليات السورية، وإعادة إدخال الشخصيات الكاريزمية، والعمل على إعادة الشروط الرئيسية السابقة. وذلك يكون اجتراح لطريق جديد بدل طريق التدمير الذي يسير عليه الائتلاف حاليا. فالجهل بهذه الشروط عواقبه وخيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى