مقالات

لماذا تراجعت تركيا عن عمليتها العسكرية؟

بعد تزايد المواد الإعلامية والتحليلات السياسية التي تحدثت عن اقتراب شن تركيا عملية عسكرية جديدة في سورية تستهدف مناطق سيطرة ميليشيا قسد، يبدو أن تركيا قد تراجعت عن ذلك، على الأقل في الوقت الراهن، ليُطرح السؤال: هل كانت تركيا جادة في نواياها القيام بعمل عسكري؟ وهل هناك عوامل دفعت تركيا لتتماشى معها؟

قد يكون من الصعب حسم الجدل حول إن كانت تركيا خلال الفترة الماضية على استعداد فعلي لشن عملية عسكرية، أم أن الامر كان مجرد بالون اختبار لقياس فرص إمكانية شن عملية عسكرية وقياس لماهية العناصر المؤثرة داخليا وخارجيا، ويبدو أن تركيا نجحت في إعادة تذكير كل من أمريكا وروسيا بأن لها أهداف حيوية لم تتحقق في سورية، ولكن يبدو أنها فشلت في إقناعهما بأحقيتها في تحقيق هذه الأهداف.

بالنسبة لتركيا، الرئيس التركي أردوغان كان واضحا في الإعلان عن أبرز محدد في الاستراتيجية التركية تجاه سورية وهو إنشاء حزام أمني على الحدود التركية -السورية بعمق من 30 إلى 40 كم، ولعل الخريطة التي عرضها أردوغان في الأمم المتحدة كانت واضحة في هذا المجال، وتدرك تركيا أن هذا المشروع وإن كان يعتمد على الإرادة التركية بجله، إلا أن هناك جملة عوامل قد تجعل من تكلفته عالية جدا، وربما في بعض الحالات أقرب للمستحيلة، وأهم هذه العوامل هي الموقفين الأمريكي والروسي، لذلك كانت تركيا دائما وقبل كل عملية عسكرية تنسج جملة تفاهمات مع كل من أمريكا وروسيا خارجيا. وداخليا، كانت تهيئ الرأي العام التركي لهذه العملية، كما أنها كانت تضع الخطط العسكرية اللازمة لضمان نجاح العملية، وإذا ما نظرنا إلى الحالة الراهنة نجد أن تركيا قامت بالإعلان عن عزمها شن عملية عسكرية ولكن هذا الأمر لم يتماشى مع تحشيد داخلي لضمان تأييد الشارع التركي للعملية الجديدة. كما أنه من المحتمل أن يكون مزيج من الضغط العسكري الروسي والدبلوماسي الأمريكي قد منع العملية، فالقوات الروسية المتواجدة في سورية قادرة أن تبطئ أو تفرض خسائر كبيرة على الجانب التركي، كما يمكن للولايات المتحدة أن تفرض تكلفة دبلوماسية واقتصادية عالية على الحكومة التركية.

وفي هذا السياق يمكن ملاحظة أن روسيا قامت بعدة تحركات تشي بعدم موافقتها على العملية التركية، حيث أجرت القوات الروسية وقوات النظام السوري مناورات عسكرية مشتركة وقامت روسيا “بتنسيقها” مع قسد، كما نشرت روسيا طائرات في مطار القامشلي، ولعل الرسالة العسكرية الروسية الأبرز كانت نشر منظومة الدفاع الجوي إس 300 في مطار الطبقة بمحافظة الرقة شمال شرق سوريا. وبالمثل، قامت الولايات المتحدة بدوريات محدودة، وقيل إنها بنت قاعدة جديدة بين القامشلي وتل تمر لردع العلمية التركية، كما أن الضغوط الأمريكية قد تكون شملت نواحي أخرى منها الضغوط الاقتصادية، خاصة أن تركيا تمر في لحظة تحول اقتصادي يجعلها أكثر حساسية تجاه أي ضغوط محتملة في المجال الاقتصادي، كما أن المسؤولين الأمريكيين كانوا واضحين بمعارضتهم لأي عملية، وقد عبروا عن ذلك خلال العديد من الاجتماعات رفيعة المستوى مع تركيا، بما في ذلك اجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الرئيس أردوغان في 31 أكتوبر.

وعليه، فالعوامل الداخلية ممثلة بالوضع الاقتصادي واشتداد قوة التيارات التركية الرافضة لمقاربة الحزب الحاكم في تركيا تجاه سورية، إضافة للعوامل الخارجية جعلت من تكلفة إقدام الحكومة التركية على تنفيذ العملية العسكرية عالية جدا، ولكن هذا لا يعني بأن تركيا وتحت هذا الضغط قامت بإلغاء هدفها المتمثل في إقامة الحزام الأمني. لذلك، سيبقي من المتوقع أن تقدم تركيا عند حدوث تغيير في العوامل السابقة على اقتناص الفرصة للقيام بعملية جديدة، وهو ما لا تبدو ملامحه في المدى المباشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى